
في جولة بدت في ظاهرها رسمية ومنضبطة، تكشّفت خلف الكواليس تفاصيل أكثر حيوية، صنعها البسطاء وسط ضوضاء تنافس الأحلاف، وحساسية اللحظة السياسية…
"نوافذ" ترصد لكم أبرز ما جرى بعيدًا عن عدسات التلفزيون:
ضحكة رسمية وشعبية… المتدخل المسن و"المايكروفون"
داخل إحدى الخيام المخصصة للقاءات الأطر، كان الجو هادئًا حتى أصر أحد المنظمين على شيخ مسن بأن يقترب من الميكروفون. ردّ الرجل بعفوية ولهجة محلية عتيقة:
"إل عدت أدورني أنحبُّو كولهالي"
لتنفجر القاعة بضحك جماعي، امتدّ من المقاعد الأمامية حتى مقاعد الوفد الرسمي نفسه، بينما شوهدت إحدى الوزيرات تدخل في نوبة ضحك طويلة لم تستطع كتمها.
شاب غاضب… وخروج درامي يهز الخيمة
في مقاطعة أخرى، وقبل دقائق من دخول الرئيس للقاعة، انفجر شاب محسوب على "المؤثرين" المحليين غضبًا بعد رفض المنظمين تسجيل اسمه ضمن لائحة المتدخلين.
واجه الوالي بصوت مرتفع، ملوّحًا بأن هذا إقصاء لأصحاب الأرض… كما رفض كل محاولات تهدئته.
طالبه الوالي بالجلوس للحوار
لكن الشاب توعد نفسه ووالده بالويل والثبور إن هو جلس لحظة بعد ذلك في هذا الجمع..
ثم شق الصفوف خارجًا وسط دهشة الجميع، تاركًا وراءه جلبة حادة وهمسات مستغربة، بينما واصل إطلاق عبارات نارية حتى مغادرته محيط الخيمة.
انضباط الحرس الرئاسي… غياب القائد لا يعني غياب النظام
رغم حساسية بعض المواقف، ظل عناصر الحرس الرئاسي ثابتين، يتعاملون بأعصاب باردة، ويكتفون بالمراقبة من دون التدخل.
مشهدٌ أثار إعجاب كل من تابع تفاصيل الزيارة، خاصة أنه يأتي بعد الحادثة التي غيبت قادتهم عن المشهد خلال الزيارة.
معلمة تطرق باب الإنسانية… ودهشة في القاعة
استغلت إحدى المعلمات فقرة مداخلات النساء، لتروي قصتها القاسية: تُدرّس في ولاية بعيدة، وتركت رضيعها الصغير مضطرة.
توجهت بندائها إلى وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي ثم إلى الرئيس…مطالبة بلم شملها مع رضيعها الذي اضطرت لتركه في طرف قصي من البلاد
لكن الوالي قاطعها بحدة معتبرًا أن "القضايا الشخصية" ليس المقام مقامها.
غادرت المعلمة المنصة منكسرة، وسط نظرات تعاطف واضحة وهمسات استياء من طريقة التعامل معها، فيما لمح الجميع إشارات تهدئة يوجهها لها مندوب "التآزر".
والي الحوض الشرقي… كاريزما مثيرة للجدل
في مختلف محطات الزيارة تألق الوالي في ضبط الوقت وإدارة النقاش، بصرامة ووضوح، ما أثار إعجابًا.
لكن آخرين انتقدوا أسلوبه الحاد في المقاطعة منتهجا أسلوب إعلاء الصوت كوسيلة لفرض إيقاف التدخلات.
كاريزما… لكنها ليست كاريزما بلا خصوم.
لافتة "ترفض القبلية… باسم القبيلة"!
في أحد المهرجانات، رفعت إحدى القبائل لافتة كتب عليها أنهم "يرفضون القبلية والشرائحية".
مفارقة أشعلت ضحكات وتعليقات ساخرة بين الحاضرين.
استعراضات تاريخية… وفرسان يقتحمون المقاطعة
تنافست الأحلاف في مشاهد تعيد للأذهان المسلسلات التاريخية: خيول، جمال، فرسان…
حتى وصل الأمر في إحدى المقاطعات إلى حصار مبنى الحاكم للمطالبة بحضوره ليشهد على استعراضهم ويسجل حضورهم.
وفي لحظة غير متوقعة، اخترق أحد الفرسان حائط المقاطعة على صهوة جواده، ليتبعه آخرون قبل أن ينجح الحرس بصعوبة في إبعادهم!
مأمورية ثالثة… ورابعة… وخامسة؟
في أحد الاجتماعات المقاطعية اختتم أحد الأطر مداخلته بتمنّي مأموريات متعددة للرئيس، فصفق بعض الوجهاء بتفاعل…
لكن اللافت كان تصفيق أحد الوزراء "المتحمسين" بشكل مبالغ فيه، في لقطة أثارت تساؤلات كثيرة.
الوزير المعمّم… رسالة بالعمامة؟
في إحدى محطات الزيارة، ظهر وزير ضمن الوفد الرسمي بعمامة تقليدية لافتة عند استقباله للرئيس في مسقط رأسه.
الغريب أنه لم يظهر بها في أي محطة من المحطات السابقة، وهو ما فسّره البعض بأنه "إشارة" ذكية من الوزير للرئيس بأن "لِلتفتار قوانينه".
رئيس يدوّن الأرقام… ومواطنة تحظى بوعد الحج
من أكثر لحظات الجولة إنسانية، حين تعلقت مسنّة بموكب الرئيس طالبة حجًا لبيت الله الحرام.
ولم يطل الوقت حتى أرسل الرئيس أحد عناصر الحرس ليسجل رقمها، ووعدها بأن تكون من حجاج هذا العام.
القطاعات الخدمية… تجميل "موسمي" قبل الزيارة
كشف بعض المتدخلين، ببساطة وصدق، كيف تنشط القطاعات الخدمية فجأة عند اقتراب زيارة رئاسية.
قال أحد المواطنين:
"السيد الرئيس نحن كن اعطاشه… وليلة أمجيك اتفجر رباينا كاملين بالماء"
في تلميح صريح لموسمية الخدمات.
طلب غريب… لكنه الأكثر واقعية
أحد سكان إحدى المقاطعات تقدّم بطلب مباشر للرئيس:
"نَبغو الدولة تگطّع أشجار تورجة من المقبرة…"
طلبٌ بسيط… لكنه كان الأكثر صدقًا وربما الأكثر تعبيرًا عن مشكلات الناس اليومية.
لم تكن زيارة رئيس الجمهورية للحوض الشرقي مجرد جولة رسمية ببرتوكول صارم ونقاط على الأجندة؛ بل تحولت إلى مسرح واسع تختلط فيه مشاعر البسطاء باندفاع الشباب، وصراحة النساء، وطرافة الشيوخ، وسط تنافس القبائل، ودهشة المسؤولين…
زيارة أظهرت ما لا تقوله التقارير ولا تلتقطه الكاميرات: حقيقة مجتمع يعيش بين الوجاهة والبساطة، بين الرسمي والشعبي، بين الصمت والصراخ… لكنه لا يتوقف أبدًا عن إنتاج المشاهد غير المتوقعة.
وإذا كانت كل محطة من محطات الزيارة قد كشفت قصة، فإن ما بقي مخفيًا قد يكون أكثر إثارة…

