
الشخص الهادئ الكتوم الميال للصمت لا يستثيره ويستفزه للخروج من صمته سوى أمر جلل
لا اريد القول إن رئيس الجمهوربة خرج عن صمته لكن دعونى أفول إن الصمت نفسه ضاق ذرعا بكل ذلك الهدوء
زيارة رئيس الجمهورية لولاية الحوض الشرقي ليس فيها ما يميزها عن زيارات كل الرؤساء السابقين للولاية باستثناء زيارة الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله الذى طلب ذات زيارة للولاية والبلاد تتلمس درب الاستقلال من وجهاء الولاية المساعدة فى حماية الحدود وبسط مهابة دولة لم تمتلك بعد مايكفى من قوات الجيش والأمن لبسط سيادتها ومهابتها
قال لهم إن الولاية وحدودها مع دولة مالى أمانة فى اعناقهم وكانوا فعلا على مستوى الأمانة والتحدى
لاشيئ إذن يميز زيارة غزوانى للحوض
نفس التجمعات القبلية والحزبية
نفس الأطر والوجهاء
نفس سكان العاصمة نواكشوط الذين يذهبون معه ويعودون معه
ومع ذلك فثمة نقطتان تضمنتهما احاديثه فى محطات الزيارة علينا التوقف عندهما
النقطة الأولى الحديث تلميحا يقترب من التصريح عن الإشاعات التى راجت بوجود خلافات فى هرم السلطة
يبدو أنها إشاعات استدعت من الرئيس الحديث بلهجة صارمة عن نفيها جملة وتفصيلا وهو نفي لم يصمد أمام حديث الرئيس عن أن هناك نهجا فى الحكامة إما أن تكون معه فتلتزم بخياراته أو تكون ضده فتعامل على ذلك الأساس
ماكان للرئيس أن يخوض فى هذا الموضوع لولا أنه تجاوز" ثمن بعير" وأصبح متداولا على نطاق واسع
والحق أن الشائعات استفزازية وتستحق ردا من الرئيس
نحن العامة لا نصدقها ولا نكذبها
دعونا نمر سريعا بملامح تلك الإشاعات
يقال إن للنظام اربعة زوايا تحكمه والحديث عن " مربع" وليس عن " هرم" اواي شكل "هندسي" آخر
وبدأ كل " ضلع " يفكر فى ما بعد نهاية مامورية غزوانى الثانية
هو إذن حديث عن " الخلافة" عمق " خلافات قديمة بين " اضلاع المربع "
ولد اجاي
ولد أحويرثى
ولد مرزوك
حنن
الأول ولد اجاي يقدم ضمن الإشاعات باعتباره المرشح ل" خلافة " غزوانى الذى بدأت دولة الإمارات "تمرسه" و" ترومه"
الثانى ولد أحويرثى
رجل غزوانى القوي والذى ترى الإشاعات أنه إما أن يتشبث بمامورية ثالثة لغزوانى أو يبحث فى حالة صعوبة فرض مأمورية ثالثة عن مرشح مقرب من غزوانى قادر على حماية نفوذه
ولا تعتقد الإشاعات أن أحويرثى يريد الرئاسة لنفسه
الثالث ولد مرزوك وتقول الإشاعات إن حظوظ ترشيحه من طرف غزوانى واركان حكمه وارد إذا لم تكن المامورية الثالثة متاحة ذلك أن ولد مرزوك " حرطاني" من نخبة اطر الدولة وكفاءاتها ويحظى باحترام معظم أطراف تحالف الاغلبية كما أن ترشيحه قد يكون ضربة لبيرام وجماعته فولد مرزوك شخصية وطنية متوازنة وحسب الإشاعات دائما فيمكن أن يشكل إجماعا وطنيا وانتخابه حماية للنظام الحالى إذا دالت دولته وسحب للبساط أمام دعاة التفرقة من لونيين وعنصريين
الرابع حنن وهو شخصية تجمع الجوانب التقليدية والعسكرية فهو وجيه وشيخ تقليدي فى مضارب قومه ثم إنه عسكري متمرس دخل الخنادق قبل الفنادق و يملك شعبية لا بأس بها فى معاقله التقليدية ويحظى بتقدير المؤسسة العسكرية
حتى الآن لانعرف هل ولد أجاي فعلا يسعى ل" خلافة " غزوانى كما أننا نجهل نية ولد مرزوك ورايه فى ما اشيع عنه ولسنا متأكدين من سعي حنن للحصول على كرسي الرئاسة
المؤكد لدينا أن احويرثى هو اقربهم لغزوانى واكثرهم ولاء له وخدمة لمساره ونكاد نصدق أنه لا يسعى ل" الخلافة " لا فى " الرئاسة " ولا فى " المشيخة" التى تجمعهما
إن " إيحاءات" الرئيس بشأن خلاف" هرمي" اعادت الروح للإشاعات بدلا من وضعها على " الصامت" او" الهزاز" على الأقل
ولأنه لا دخان بدون نار فالرئيس ومن حيث اراد التغطية على ما يحدث من تجاذبات فى " المربع" فتح بابا واسعا لمزيد من التكهنات بشان مابعد انتهاء ماموريته الثانية
وفعلا ف" خلافة" غزوانى تطرح الكثير من التساؤلات وتثير جدلا سياسيا واسعا داخل البلاد
ويبدو ان سيافات ما بعد غزوانى تسير على ثلاثة ارجل
الوضعية السياسية المحلية بكل وجوهها واسمائها وتياراتها وتوجهاتها
موقف المؤسسة العسكرية ورأيها بشان " الخليفة" المرتقب
الاجندات الخارجية وهي اساسا مرتبطة براي الإمارات وفرنسا وأمريكا وتوجهاتها المحلية
ولذلك فالمرشح الأكثر حظا لابد أن يكون محل إجماع وطني من أي نوع وأن " تجيزه" المؤسسة العسكرية وأن يكون مقبولا من طرف الإمارات وفرنسا وامريكا
لماذا الإمارات وفرنسا وامريكا
الإمارات نافذة جدا محليا ولديها رجال يخدمونها سياسيا وإعلاميا ودعائيا واقتصاديا
فرنسا تلقت ضربات موجعة فى افريقيا ولا يمكنها التفريط فى موريتانيا فلديها هنا مصالح كثيرة ومطامح أكثر
أمريكا هي سيدة العالم ولا يهمها سوى استمرار مصالحها المرتبطة بغاز موريتانيا وسمكها وحديدها ومعادنها وبما تمثله موريتانيا من موقع استيراتيجي لا ينبغى إهماله أو التفريط فيه أمريكيا
النقطة الثانية التى كانت الابرز فى أحاديث الرئيس لسكان الحوض الشرقي كانت حرصه على مساعدة دولة مالى على الخروج من أزماتها الحالية ودعوته للموريتانيين خاصة سكان المناطق الحدودية لتفهم أوضاع مالى وإغاثة الهاربين من ازماتها وعلاج جرحاهم وإطعام الجائعين منهم ومساعدتهم بكل ماهو متاح
فى هذه النقطة تحدث الرئيس باعتباره رجل دولة وداعية سلام واستقرار وتعايش مع كل شعوب المنطفة مهما كان مستوى العلاقات مع انظمتها بعيدا عن العنتريات وسرديات التصعيد والاحتفان والتوتر
يعرف غزوانى أن مالى مهما قسى نظامها وتجبر هي رئة اربع ولايات موريتانية كبرى وعبر الحدود المجتمعات الموريتانية والمالبة مختلطة الارحام متشابكة المصالح والعلاقات يخدمها الاستقرار والتعايش وتقضى عليها الحروب والنزاعات العمياء
كان حديثا مفعما بالمسؤولية السياسية والوطنية والديبلوماسية وكان مهما وجاء فى وقته المناسب تماما كزيارته لكتيبة من الجيش الوطني مستنفرة على الحدود باصابع على الزناد واعين ساهرة خدمة للسكينة الوطنية العامة
يبقى السؤال هل كانت زيارة الرئيس غزوانى للحوض الشرقي وضعا لحجر اساس مامورية ثالثة
لنتجاوز جانب الزيارة الاقتصادي والاجتماعي فهي لم تحمل جديدا مؤثرا على حياة سكان الولاية والبلاد كلها بل كانت زيارة نمطية تقليدية السياق والمسار
هي بالأساس زيارة سياسية لجس نبض الناس
هل يشعرون بالنظام
هل ينتظرون منه شيئا
هل وجدوا لديه شيئا
هل هم مهتمون بمستقبل النظام
هل لديهم" بدائل" لما بعد المامورية الثانية
هل يمكن تسويق المامورية الثالثة فى اوساطهم
هل الأوضاع القبلية مناسبة لتحالفات يستغلها النظام للبقاء
هل هناك تذمر من النظام بحيث لا تمكن " مفاتحة" الناس بشأن مستقبل بقاء الرئيس فى منصبه
بدون شك حصل النظام على اجوبة لتلك الأسئلة ولكن عليه تعميقا ل" البحث" إن يجس نبض بقية ولايات الوطن فينطلق من" الخلاصات" التى سيجمعها عند التفكير فى خطواته القادمة
الآفاف مشجعة فالوعي ب" القبيلة" يراوح مكانه ويتقدم ب" نقاط مربحه" على الوعي بالدولة
وفى المجتمعات القبلبة كل الاحتمالات واردة وكل الأبواب مفتوحة بغض النظر عن أية ظروف سياسية او اقتصادية أو امنية على الأرض
بقلم حبيب الله ولد أحمد

