
الرّبْيان
الرؤساء، حين يجيء أحدهم إلى السلطة، فإنه يعمل على خلق دعائم و ركائز و وسطاء يستند إليهم لإرساء نظام حكمه. فيبادر إلى انتقاء "رجال" على مقياسه وذوقه الخاص. لا يشترط فيهم مسارا سياسيا ولا مهنيا ولا تجربة عملية مقنعة. بل يأخذهم - غالبا - من خارج السياسيين و وكلاء الدولة المرموقين وكبار الموظفين والصحفيين. يختارهم على أساس "الحِرابة" و"الجرأة" و"الشطّارة" و"الاستماتة" و"الجاهزية" و"الاستعداد" لخدمته في كل شيء. ويتعامل معهم كما يتعامل صاحب الغنم مع "الرّبْيان من الأكباش". يبدأ في "الحشِّ" لهم و تسمينهم بنظام غذائي يجمع بين لحوم الضرائب وشحوم الصفقات و وَدَك الشركات والمؤسسات العمومية وأقراص المشاريع وأملاح الأسماك وسماد القطع الأرضية حتى يزداد وزنهم ويرتفع سعرهم في "مربط" السياسة، وتصبح لديهم قدرات هائلة على التعبئة واجتذاب الزبائن وحشد آلاف الأتباع ومئات سيارات والباصات .. يُخيل له أنهم قادة عظام وعباقرة، وأن لهم "قواعد شعبية" واسعة. وينسى أنه هو مصدر شحمهم ولحمهم.
وعند أول هزة أو عثرة أو تبدُّل في حال النظام يمضي الرئيس إلى المسلخ (البطوار).. و يبقى "الرّبيان" في الحلبة سالمين غانمين، فرحين بما نهبوا بمباركته وتحت حمايته، ويستبشرون بالرئيس اللاحق من خلفه .. عندئذ يُدرك صاحب الفخامة أنهم لم يكونوا يعملون لصالحه بل لصالحهم، ولم يكونوا يسعون لإفادته، بل للاستفادة منه..
من صفحة الوزير السابق محمد فال ولد بلال

