
مرت أربعون سنة على خطاب “لقبيلات” الشهير، الذي ألقاه الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في مستهل حكمه بمدينة النعمة، في ولاية الحوض الشرقي.
كان ذلك الخطاب، رغم قساوة عبارة " لقبيلات" التي ارتبط بها في الذاكرة العامة، يحمل في جوهره رسالة تنبيهية إلى الشعب حول ضرورة مواكبة الحداثة والتعقل في التعامل مع تحولات الزمن.
وأذكر أنه في تلك الفترة بالذات صرّح في مناسبة أخرى بأن على الموريتانيين أن ينتقلوا "من عصر المعزة إلى عصر الكهرباء".
والبارحة، في نفس المنطقة من الحوض الشرقي، وجّه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خطابًا بنبرة مختلفة، لكنه في الجوهر يعالج المسألة ذاتها: دعوة إلى التحديث، ولكن من زاوية أخرى — تحذير النخبة، وبالأخص الموظفين، من إدخال الانتماءات القَبَلية في المجال العمومي.
بين الخطابين أربعة عقود تغيّرت فيها أمور كثيرة. و تم فيها اعتماد النظام الديمقراطي وما يترتب عليه من الممارسة الانتخابية التعددية. فبرزت القبيلة فيه كإطار تعبوي بركماتيكي وفق منطق بسيط وفعال : كم لديك من كتيبة؟
و هكذا تسلّل التنافس القبلي إلى السلوك الجماعي للفاعلين السياسيين، خاصة من الطبقة النافذة، الذين استغلّوه واستفادوا منه.
كما أصبح الوزن القبلي في أذهان العامة معيارًا أساسيًا في التوظيف، بل تفوّق في حالات كثيرة و معروفة لدى الجميع على الكفاءة والإخلاص للدولة.
و رغم. مرور الاربعين عام مازال الهاجس قائما ينادي : كيف نبني دولة القانون والمؤسسات، دولة العقد الاجتماعي المنصوص عليه دستوريًا و نحن قبليون حتى النخاع؟
كيف نتعلّم في سلوكنا الوطني التمييز بين الفضاء العمومي للدولة والفضاء الخصوصي للقبيلة؟
كيف نستبدل نفسية القبيلة وحميّتها بروح المدنية و بالشعور الوطني؟
عبد القادر ولد محمد

