ولد إبراهيم يكتب عن: أمةُ التنكّرِ والنُّكران...

اثنين, 27/10/2025 - 09:08
الأستاذ محمد الشيخ ولد سيدي محمد  خلال إلقائه كلمته بمناسبة تدشين قناة المحظرة

ليس من الوفاء ولا من تمام الاحتفاء أن تُكرَّم "المحظرة" ورجالها، وأن تُسلَّم الجوائز للفائزين في نسخة مسابقتها الثانية عشرة، بينما يُغيَّب عن المشهد صاحب الفكرة الأولى، وباعث الشرارة التي أضاءت هذا الصرح العلمي والإعلامي؛ مؤسس إذاعة القرآن الكريم، وراعِي فكرة قناة المحظرة، ومن ذاد دون مشايخها وجاهد في سبيل حفظ مكانتهم وهيبتهم.
إن تغييب الأستاذ والمدير العام السابق لإذاعة موريتانيا محمد الشيخ ولد سيدي محمد عن هذا الحفل ليس مجرد سهوٍ عابر، بل هو لونٌ من العقوق، وصورةٌ من صور التنكر والجحود، تأبى المروءة أن تتجمل بها أمةٌ تعرف للفضلاء قدرهم.
لقد كان الأستاذ محمد الشيخ من أوائل من أدركوا أن للإعلام الإسلامي رسالته، وأن في مضامينه ثروةً روحيةً ومعرفيةً قادرةً على أن تكون رافعةً للنهضة، وأن الجمع بين التعددية السياسية، والتنمية المستدامة، والتنوع الثقافي، يمكن أن يُثمر إعلامًا نافعًا، يعيد لهذه الأمة بعض مجدها المفقود، وتستأنف به دورها الرائد في الثقافة، والفتوى، والإمامة، والقضاء، والتعليم.
المدير العام ولد سيدي محمد هو الذي أسّس إذاعة القرآن الكريم في أغسطس من عام 2010، وأطلق أول مسطرة محظرية في الرابع من إبريل 2012، كان لها القبول في الأرض والبركة في الناس. وهو منشئ أول مسابقة كبرى لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في التاسع عشر من يوليو 2012 ــ هي التي يحتفي بنسختها 12 المتنكرون لجميله اليوم ــ، وهو صاحب فكرة إنشاء أول قناة سنية تستقي من الكتاب والسنة، وتسير على نهج إجماع الأمة، تُدرَّس فيها علوم مذهب إمام دار الهجرة، ويُروى فيها مقرأ الإمام
نافع، وتُدرّس كتب السنة الصحاح، وتُبسط فيها علوم المدرسة العلمية الموريتانية التي جمعت بين النقل والعقل، وحافظت على السلم الأهلي بدعوتها إلى اليسر واجتناب العسر.
إن تجاهله في مناسبة كهذه لا يَنقص من قدره، ولا يطفئ من أثره، بل يزيد خصومه خسرانًا، ويزيد هو في سجل الصادقين إشراقًا.
وأشدُّ ما يُضاعف مرارة هذا الغياب أن يجري تحت أنظار، بل وبمباركة، بعض من صنعهم هو بيده، فرفعهم من العدم، ومكّن لهم في المنابر والمناصب.
فيا لها من عبرةٍ بليغةٍ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.

د. عبد المجيد إبراهيم