
نوافذ(نواكشوط) ــ شغف الموريتانيين بالسياسة فطري وغائي نفعي؛ فطريته غذاها فراغ لا يكاد العاطل والمعطل منهم يتفوق فيه على العامل الفعلي والمقنع. أما غائيته؛ فبحكم دور السلطة في توفير الدخول النقدية، ودرجة تحكمها في مصادر الثروة والنفوذ، بل قل في جميع مقومات الحياة "البقاء".
ولأن الحكومة هي الأداة التنفيذية الأولى في إقرار وتنفيذ السياسة العامة لرئيس الجمهورية، محور الكون في النظام السياسي الموريتاني، فمن الطبيعي أن يحظى تشكيل الحكومات وتعديلها باهتمام كبير من الطبقة السياسية بمختلف أطيافها، وأن ينال من بقية الشعب ما لا يقل عن ذلك من الاهتمام.
الحكومة الحالية، المعينة في 06 أغشت 2024، بدأ التشوف لتعديلها من لحظة الإعلان عن تشكيلتها، وبرر ذلك تارة: بعجز بعض أعضائها عن تحقيق ما طلب منهم من أداء، ومرة بسبب عجز الفريق الحكومي عن تحقيق الانسجام ووجود مراكز قوة متصارعة عرقل وجودها العمل الحكومي.
توصيفات لتعديل 18 سبتمبر
الأول: أنه تعديل وزاري لا حكومي؛ بدليل بقاء الوزير الأول، تفنيدا للتحليل الذي بني على استحضار تجربة الخمسية الأولى، حين سقطت حكومتها التي لم يبادر أو منع وزيرها الأول طيلة عام كامل من إجراء تعديل عليها.
على ذلك القياس قام التحليل على أن عجز الوزير الأول في أول حكومات الخمسية الثانية عن تمرير تعديل أشيع أنه جهزه منذ شهر إبريل، يعنى أن ما سيصار إليه سيكون تغييرا حكوميا لا مجرد تعديل للقائمة للحد الذي جعل مناوئي الرجل يقتنعون ويدفعون الرأي العام للاقتناع بقضاء أمر التغيير الحكومي المستفتي فيه بمجرد انقضاء الحول على التعيين.
الثاني: أن الزخم الذي رافق الحدث لا يعود لأهمية التعديل نفسه، فنسبة المغادرين دون السدس بكسر، خمسة من تسعة وعشرين وزيرا، وأحد الخمسة فقد الحقيبة دون الوزارة.
الزخم جاء إذا من جمع محصلة تبديل الوزراء وتبادلهم، وهو ما أوصل النسبة لأكثر من ثلث الحكومة؛ أي بالعدد، لأحد عشر قطاعا وزاريا ما بين الحالتين: خمسة بالتبديل وستة بالتبادل.
الثالث: التباين بين وضعيات الوزراء المغادرين هم، فلا خط ينتظم خمستهم، من جهة بين: المقالين الأربعة والخامس الذي لم يغادر مجلس الحكومة وإن غادر تشكيلتها، بعد أن جمعت له الاستشارة بالوزارة. ومن الأخرى، داخل المقالين أنفسهم:
الوزيران سيدي يحيى ولد لمرابط وأمم ولد بيباته أقدم صلة بالاستوزار؛ حيث التحقا بحكومة ولد بلال في آخر تعديل خضعت له بتاريخ:04 يوليو 2023، ولد لمرابط كوزير للوظيفة العمومية قبل أن يغادرها مع أول تشكيلة حكومية في المأمورية الثانية، إلى وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، وولد بيباته كوزير للزراعة، وليحتفظ بها بعد أن أضيفت لها "السيادة الغذائية" في نفس الحكومة مع ولد لمرابط.
أما عبد الله ولد وديه وزير الصحة ونظيره المختار كاكيه وزير التنمية الحيوانية فبالكاد أكملا سنتهم في الوزارة.
الرابع استأثر فيه رئيس الجمهورية بخصوص اختيار أبرز الوافدين الجدد، وانصراف مشاركة الوزير إلى ما تعلق بتموضعهم داخل الهيكلة الحكومية.
الخامس أنه تعديل مرحلي، لن يلبث أن يشفع بآخر أكثر وضوحا بخصوص الوجهة التي تقرر الحسم بشأنها؛ ذلك أن القطاعات الوزارية الأقل أداء لم يطلها التعديل، وأغلب من لم يشملهم التعديل لم يحتفظوا بحقائبهم لأنهم أنجزوا فيها شيئا، وما قطاع المياه والنقل والنفط والطاقة والمعادن والعمل الاجتماعي منا ببعيد...فهي قطاعات خدمية يصرخ المواطن بضعف أدائها.
كما أن طبيعة الوافدين الجدد ستسهم في زيادة عدم انسجام الفريق الحكومي خلف الوزير الأول، ما سيستدعى دون تأخير التدخل للتغلب على ذلك.
رغم أن تعديل جزئي في ظاهره، فإن مضامينه ورسائله السياسية والإدارية تعكس تحوّلات ذات دلالات عميقة في بنية السلطة وتوجهاتها، وهو ما يحاول هذا التحليل تسليط الضوء عليه، من خلال الوقوف عند الثوابت والمتحولات في سياسة التعديل الوزاري في موريتانيا.
وافدون جدد ...لكن هل من جديد!
ولد سليمان ولد الشيخ سيديا، بنت حمدي ولد مكناس، بنت بيجل ولد هميد وسيد أحمد ولد محمد: جدة محل نظر
سيد أحمد ولد محمد
عصامي صعد المطلع دون رافعة ولا حبال أمان. آخر محطاته رئاسة حزب الإنصاف الحاكم، التي رأى منها نفسه شيخا للوزراء، شغل في ما انقضى من العهد الغزواني حقائب التجارة والسياحة، المياه والصرف الصحي، الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي، وأخيرا حل بوزارة التنمية الحيوانية.
بحسب السير المألوف تكاد دورة حياة استوزاره تصل أمدها إما بقذفه خارج التشكيلة، أو بترفيعه لقيادتها، وإن كانت فرص تحقق الاحتمال الأخير غدت أقل بكثير من ما كانت عليه خلال فترات استوزاره السابقة.
عدم مراعاة اختصاصه في خيار تعيينه أسعد الآفات الزراعية بما كفاها من مواجهة مهندس متمرس في علوم المبيدات، تماما كما حرم ذلك الخيار الزراعة والمستهلكين الاستفادة من خبرته في مجال الاستعمال الآمن للمبيدات.
عبد الله ولد سليمان
لقيادة قطاع الاقتصاد والتنمية يعود عبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا للمرة الثانية خلال الربع المنصرم من القرن بعد أن كانت المرة الأولى سنة 2023، بين المرتين تولى ولد سليمان حقيبة المالية فترة حكم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية في حكومة سيدي محمد ولد بوبكر.
عودته للواجهة بعد تقاعده تعكس اقتناع ولد الغزواني بالرجل، وهو الاقتناع الذي كان ليسرع به لمرتبة التكليف بتشكل أول حكومة في الخمسية الأولى، لولا أن بطأت به استشارة من الرئيس المنصرف، جعلت الحظوة من نصيب الوزير في العشرية إسماعيل ولد بده.
علاقة ولد سليمان بقطاع الاقتصاد والتنمية تعود لتسعينيات القرن الماضي، لكن علاقته وتماسه مع قطاع المالية مشهودة هي الأخرى بخبرة محلية وخارجية، ومع ذلك كان من اللافت للانتباه أن تنفصل المالية عن الاقتصاد، بمناسبة تعيينه، رغم ما يشكله التذبذب في إقرار هيكلة القطاعات الوزارية من عرقلة لعملها وحسن أدائها.
يقولون إن وزير المالية هو وزير الوزراء الأول، فكيف إذا جمع له الاقتصاد معها!
على ذلك فلمسة فصل القطاعين ليست إلا حركة دفاع شرعي واستجابة للدافع الغريزي بحب البقاء ...
على المستوى القبلي والجهوي يؤكد دخول عبد الله ولد سليمان الحكومة إحدى الثوابت في سياسة توزير أبناء بتلميت خاصة من مجتمعه التقليدي، وهي حصرية هذا التوزير في فصائل دون غيرها "أهل الشيخ سيديا، أولاد خاجيل، وأولاد أنتشايت"، لا يغادرها إلا ليعود إليها.
وجهويا ينتظر من تعيينه خلق دينامكية فعالة على مستوى الولاية يتم توظيفها في تنفيذ الخيارات التي يعتزم النظام تنفيذها بخصوص مستقبل إدارة الشأن العام وتحييد أو الحد من تأثير من القوى الممانعة.
الناه بنت مكناس
أو الوزيرة بالاختصاص؛ حيث عملت ابتداء من 2001 ولغاية الحكومة الحالية 2025، وزيرة مستشارة لمرتين، ولقطاعات: الشؤون الخارجية والتعاون - التجارة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة لمرتين -الشؤون الاجتماعية والطفولة والأسرة- التهذيب الوطني والتكوين المهني -المياه والصرف الصحي –الصحة، وأخير الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي.
عودتها للوزارة تعنى انتصارها على إرادة الجهة التي اشترطت على حزبها تقديم غيرها للاستوزار.
تعني كذلك التمهيد لعودتها لعضوية فعالة للأغلبية الرئاسية، وتوظيف علاقاتها داخل حاضنتها الجهوية في الشمال ومع قواعد حزبها على مستوى ولايات الضفة لدعم خيارات رئيس الجمهورية الذي هو وحده من تدين له في تعيينها.
بنت بيجل مريم
يمثل دخولها إلى الفريق الحكومي وزيرةً للوظيفة العمومية والعمل، تكريسا للمزاوجة بين "الاستوزار بالبنوة" و"نظرية التوازنات القبلية"، التي يراها البعض جزءًا أصيلًا من بنية الحكومات المتعاقبة. وإن عدل لها البعض إضافة لذلك علاقة مصاهرة مع المرافق الخاص لرئيس الجمهورية.
بنت الوزير والشيخ التقليدي بيجل ولد هميد، تندغية من فئة السُمر، تخلف ابن عمها من فئة البيض، لتكون مصداقا لنظرية أبيها حول وحدة "العرب البيض والسمر بموريتانيا"، وتكرس نهج المحاصصة القبلية الذي طبع التعديلات الأخيرة: المختار كاكيه خرج من الحكومة لتخلفه بنت عمه مريم، تماما كما ولد ودويه خرج ليخلفه ولد الشيخ سيديا، ومثلهما أمم بيباته خرج ليخلفه ابن عمه محمد محمود اعل امحمود...
تعيينها يعكس أيضًا عودة السياسيين إلى الواجهة، على حساب التكنوقراط، بما يتماشى مع مرحلة مقبلة توصف بأنها سياسية بامتياز، تحتاج إلى وجوه ذات رصيد قبلي وسياسي في آن.
توقيت دخولها يأتي بعد استقبال والدها المخزني المحافظ، لبيرام الداه اعبيد الصدامي المتمرد، الذي ينصب نفسه قائد متفردا للمعارضة الممانعة، والفائز بلا منازع في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.
مجرد وقوع اللقاء في حد ذاته مثل كسرا لجليد طالما منع التواصل المباشر بين الحركيين الانعتاقين التاريخيين وزعيم الحركة الانعتاقية الحديثة، لكن وصول الأمر حد إشادة بيجل العلنية بحامل شعار حتمية أن يكون رئيس الجمهورية المقبل حرطانيا وعلى وجه التحديد "بيراما"، وإشفاعه لذلك بما يستنتج منه تبنيه للجزء الأول من الشعار "حرطانيا"، مع تقديم بديل عن جزئه الثاني؛ من خلال تلقفه ودفاعه عن وجاهة ترشيح وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك. شكل مصدرا لقلق حقيقي للنظام من خلق أرضية مشتركة بين ما يمثله الرجلان، وما قد يترتب على ذلك من إرباك لمخططاته.
نجحت الإشاعة التي وقفت خلفها عناصر من حركة "الكادحين" سعت لتجنيب ولد مرزوك مرافقة ولد بيه رحلة الخروج من الحكومة، ونجحت كذلك في دفع السلطة لتقديم عربون صداقة لا يترك أمام الرئيس بيجل سوى الانخراط التام في المشروع الذي أصبح جزء أصيلا منه برورا بابنته البارة.
الدكتور الطبيب محمد محمود اعل محمود
من سيرته الذاتية، أتيحت له فرصة مراكمة خبرات واسعة عن القطاع الذي أسند إليه، لاقى تعيينه استحسانا واسعا على الشبكة العنكبوتية، لكن ذلك لن يكون كافيا ليخرجه دائرة شبهة الاستوزار العرضي. ليس فقط بفعل حدة المنافسة داخل حاضنته الاجتماعية، بل لخطورة الرمال المتحركة داخل دهاليز قطاع اقترن في أذهان الجميع بشراسة صراع جماعات النفوذ داخله.
تعديل بتلقائية لعبة الكراسي المتحركة
بنفس فكرة هذه اللعبة التي تقوم على إزالة كراسي بينما تدور الموسيقى ويكون على المتبارين الجلوس عند توقف الموسيقى، ليستمر منهم في اللعبة من توقف بمحاذاة كرسي يجلس عليه، ويخرج من تقابل وقت جلوسه مع حيز أزيل كرسيه خلال لفة سابقة، جرى التعديل الوزاري، فلكأن تولي هذا الوزير لذاك القطاع إنما صادف توقف الموسيقى وهو بمحاذاته، أو أن الوزير الآخر إنما خرج لتزامن توقف الموسيقى مع تواجده في حيز لا وزارة به: وزير الوظيفة العمومية والعمل يحل بوزارة العدل، وزير الاقتصاد والمالية إلى وزارة الزراعة والسيادة الغذائية ، وزير الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية يحل بقطاع الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي ،و وزيرالعقارات وأملاك الدولة والإصلاح العقاري يترك البر إلى الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية.
لعبة الكراسي هذه تطابق "الاستراتيجية الطائعية"، نسبة إلى الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، حيث تغيب المحددات الموضوعية والسياسية للتعديلات، فيتم تبادل الحقائب بشكل لا يراعي التخصص ولا الأداء: "الوزير يبقى بفضل الرئيس، لا بعمله"، لا يقنط أحد من الاستوزار ولا يعتصم فيه بتخصص أو إنجاز ليتبارى الكل خوفا وطمعا في خدمة النظام وطلب وده.
خارج التلقائية
وصف النائب بيرام ولد الداه اعبيدي الحكومة بتشكيلتها الجديدة أنها حكومة حرب معلنة عليه، فلعله نظر إليها وفق الاعتبارات التالية:
- أن دخول عبد الله ولد سليمان ومريم بنت بيجل ولد هميد سيتسبب في تغير قواعد الاستقطاب لغير صالحه، داخل ولاية اترارزه أو بعض مقاطعاتها على الأقل.
- أن تعيين بنت بيجل وسيد أحمد ولد محمد بما يمثله من زيادة حصة اللونية التي تمثل دعوى تهميشها وحرمانها من الوظائف السامية حجر الارتكاز في الدعاية التي يعول رئيس حركة إيرا على أن يستقطب بها أعداد كبيرة من هذا اللون.
- أن محصلة تبعات التعديل لا تصب في مصلحة من دأب بيراما على وصفهم بالحمائم في معسكر رئيس الجمهورية.
موقع الوزير محمد ولد اسويدات في الحرب المعلنة
تولي أحد أصحاب البشرة الداكنة وزارة سيادية بقيمة وزارة العدل لا يخدم التوجه لتكريس إطلاق مسبة الآبارتايد على النظام الموريتاني، لكن الأكثر ضررا من ذلك هو ترأس وزير العدل لمرفق النيابة العامة وسلطاته في مجال تحريك الدعوى العامة.
في أفق الحديث عن نضوج توجه لدى النظام يتبنى الصرامة مع ما تصنفه الدوائر الأمنية تماديا من أنصار حركة "إيرا" ومناصري حزب "الرك" في تحدى هبية الدولة وتعريض السلم الأهلي للخطر، مقابل تصميم مناصري النائب بيرام ولد الداه على الاستمرار في ما يرونه نضالا مشروعا ضد النظام القائم، تبدو "الحرب كما سماها بيرام نفسه، والمواجهة بالنسبة لغيره شبه محتومة؛ ما سيدفع السلطة التنفيذية لطلب خدمات الجهات القضائية، وسيكون ذلك عن طريق وزير العدل بحكم تكليفاته في مجال الدعوى العمومية وماله من وسائل ضغط على قضاة الحكم.
من زاوية رؤية مغايرة التعيين على وزارة العدل السيادية يعكس ثقة متصاعدة في أداء الرجل، بعد تجربة مرضية في وزارة الوظيفة العمومية والعمل، ومع ذلك يبقى في جانب منه هدية ملغومة ليس فقط بحكم المنتظر منه في المواجهة المنتظرة، ولكن أيضا لما تفرضه المسئولية الجديدة من تحفظ لا يتناسب مع وضعه كسياسي ميداني وفاعل سياسي جهوي يلزمه الحضور الشخصي للمحافظة على تلك المكانة.
فرص النجاح متاحة أمام ولد اسويدات حال تمكن من تمرير توجيهات السلطات العامة عبر التقيد بالقانون أو عبر أقرب الطرق إليه، ويرفض لي عنق القانون بغباء، ويركز على استشارة الخبراء في كل خطوة يخطوها، فحينها سيمرر ما تريده الدولة بشكل قانوني يضمن صاحبه تحقيق الهدف الحكومي والثقة الشعبية، ولا يتبنى سياسة الطاعة العمياء التي لا يكلف صاحبها نفسه البحث عن مخرج قانوني لما يريد خاصة أنه يمتلك الكثير من الأوراق يمكنه لعبها دون خرق للقانون المتاح له تعديله قبل التلاعب به.
وأن توليه للوزارة جاء بعد الحسم في فتنة ملف العشرية الذي لن يكون له في ما تبقى منه أي دور.
ومن اللافت أن تعيينه يعني —عمليًا— أن أغلب الوزارات السيادية أصبحت بيد أبناء شريحة "لحراطين"، باستثناء وزارة الدفاع، (الخارجية، العدل، جزء من الداخلية) وهو ما قد يشكل سابقة لافتة في تاريخ التوزيع السياسي في البلاد.
القبضة الخائرة
ذلك أقل ما يمكن أن توصف به وضعية الوزير الأول بعد التعديل
-رحيل ولد بيه دون أن يرافقه ولد مرزوك كان خبرا غير سار بالنسبة له ، خاصة بعد أن أصبح هذا الأخير ثالث ثلاثة يتمتعون بقابلية الترشح للرئاسة على معايير تنافسية:
حنن ولد سيدي من خلال شرعية الصداقة والرفقة مع الرئيس
محمد أحمد ولد لحويرثي بشرعية القرابة
محمد سالم ولد مرزوق بمعيار صداقة الرئيس والالتفاف على طموح التلوين في رئاسة الجمهورية.
-أغلب إن لم يكن جميع الوزراء الجدد لا سلطان ولا منة من الوزير الأول عليهم، والذين خرجوا على خلاف ذلك.
-خرجت من قبضته وزارة الاقتصاد التنمية في شكل خسارة مضاعفة بإسنادها لوزير انتسب لها قبل حصول ولد إجاي على البكالوريا، على حساب أحد أبرز حلفائه "السابقين" سيدي أحمد ولد ابوه. ورغم ما يقال عن خلافه مع أمينه العام، إلا أن المتابعين يرون أن السبب الحقيقي يعود إلى صعود نجم ولد ابوه، بل إن هنالك من يذهب أبعد من ذلك بالقول إن ولد ابوه أرسل إلى الزراعة ليفشل بعدما عبر عن مواقف جريئة نالت رضى الرأي العام، ومنحته الكثير من المقبولية داخله، كتعبيره عن الانزعاج من ارتفاع عدد المستشارين والمكلفين بمهام (218) ليكونوا عبئا على الميزانية، ورفضه أن يكون رجال الأعمال ملاكا للبنوك؛ مواقف خلقت له قبولا في الأوساط الاقتصادية والثقافية، لكنها في المقابل شكلت ضغطا على الدولة التي ستجد نفسها مرغمة على تطبيق آراء وزير اقتصادها المستعصية رغم وجاهتها.
كل ذلك يؤكد أن خروج ولد ابوه من الاقتصاد إلى الزراعة لم يأت انتصارا لأمينه العام في الصراع الدائر بينهما، على الأقل من زاوية أن العادة جرت بتحويل الأمين العام في مثل تلك الحالات، وأن إعادة هيكلة الوزارة وتحويل المالية لوزارة مستقلة يجعل طاقمها بمن فيهم الأمين العام بحاجة لتأكيد تعيينهم، وهو التأكيد الذي لن تسمح العلاقة بين الوزير الجديد ولد الشيخ سيديا والأمين العام ولد أحمد عيشة بتحققه.
يعيد تشكيل المشهد دون إعادة إنتاج المعنى
التعديل الوزاري الأول في حكومة ولد اجاي حمل رسائل سياسية عميقة، وفرض تحولات في ميزان القوى داخل الحكومة، وأعاد توزيع الحظوظ بين مراكز النفوذ التقليدية، لكنه لم ينجح في إحداث قطيعة مع نمط التعديلات غير المؤسسية،
ستشهد الفترة اللاحقة عليه صدور مراسيم بتعيينات هنا وهناك للحد من تأثير الاختلالات التي رافقت تنفيذ خيارات التعديل. وستزداد الإجراءات الخصوصية المتخذة في مجلس الوزراء لبلوغ نفس الغاية.
في تعداد تعديلات حكومة ولد إجاي ، جاء الأول متأخرا كثيرا، لكن الثاني والأخير لها تظهر كل المؤشرات أنه سيحل بأسرع من المتخيل في ظل استمرار صراع الأجنحة داخل السلطة ورجحان كفة فريق منها على الآخر.

