إعلانُ إحالةِ معالي الوزير الأوّل يحيٰ ولد أحمد الواقف إلى التقاعد يطوي صفحةً زاخرةً بالجدِّ والعطاء، لكنه لا يُنهي مسارًا خُطَّت سطوره بحبرِ النزاهة ورَحمةِ المظلومين في دهاليز الوظيفة العموميّة.
عرفناه عقلًا راجحًا لا يُفسِدُ صفوه لغوٌ ولا جدال، وصبرًا حكيمًا يطفئُ الغضبَ بالحُجّة، ويزرعُ الأملَ بابتسامة الواثق. أربعون عامًا وهو يمسكُ أعلى الوظائف بالدولة، فيُوازن بين مقتضيات القانون وضرورات الرحمة؛ يُصغي إلى صاحب الحاجة فيؤنسه، ويُنصفُ صاحب الحقِّ فيُعْليه.
يتقاعد الرجلُ اليوم إدارةً، لكن ساحتي السياسة والبحث العلمي ما تزالان تتزيّنان بحضوره: قلمٌ لا يكلّ عن تفكيك الإشكالات الكبرى، وفكرٌ يمدّ الجيلَ القادم بخارطة طريقٍ نحو دولةٍ تجمعُ بين الصلابة والإنصاف.
جلستُ إليه مرارًا، فما سمعتُ منه رفثًا ولا فُسوقًا، بل هديرَ عقلٍ يُرتِّبُ الفوضى، وهمسَ قلبٍ يحنو على الناس. وله في رقابنا أَلفُ دينٍ: دينُ التعلّمِ على مائدته، ودينُ الوفاءِ لمن أضاءَ لنا الدربَ في الليالي المدلهمة.
سلامٌ على سِنِيِّ خدمته، وعلى بقية العمر وقد تحرّرت من قيود المنصب لتُحلّق حرّةً في فضاءات الفكر والوطن.
يرب والمان نائب برلماني سابق
