“النخبوية والشعبوية بين ولد الشدو وبيبات.. عندما انقلبت الصورة”/ د. مريم بنت أمود

اثنين, 05/05/2025 - 20:15

في دولة اختلط فيها حابل المفاهيم، وتشابكت فيها مسارات السياسة والقانون، برزت حادثة المحامي المعروف محمدن ولد الشدو والممثل بيبات لتعيد إلى الواجهة نقاشًا قديمًا جديدًا: هل لازالت النخبة تحتكر الحق في تمثيل الرأي العام، أم أن الشعبوية في نسختها الجديدة قد قلبت الطاولة، مزيحة الأقنعة عن خطاب النخبة؟
 
ولد الشدو، المحامي الأشهر والأكثر حضورًا في المشهد الحقوقي والقانوني الموريتاني، ليس فقط رجل قانون، بل هو أحد رموز الطبقة النخبوية التي لطالما صاغت خطاب الدولة والمجتمع من أعلى، حيث الأبراج العاجية لا تعرف هموم أمثال بيبات، أما الأخير فهو ممثل شعبي، بسيط، فقير، يترنح بين ضيق العيش وقسوة البقاء على الهامش، لكنه في لحظة ما وجد نفسه في قلب المشهد، لا ككومبارس، بل كرمز من رموز هذا البلد.
 
اللافت أن ولد الشدو، في معرض انتقاداته السياسية، شبّه رؤساء موريتانيا السابقين بشخصية " الوگاف "، وهو لايقصد بطبيعة الحال مدحهم  بل التقليل من شأنهم، وتبخيساً لمكانتهم، كما لو أن “الوگاف” أو بيباتَ في هذه الحال عنوان للفشل أو الدونية، وهنا يكمن جوهر المفارقة: حين يستخدم رمز النخبة صورة رمز شعبي لتشويه خصومه، دون أن يُدرك أن المشهد تغير، وأن الوعي الجمعي بات يرى في “بيبات الوگاف” ماهو أعمق من الكاريكاتير.
 
الرد لم يأت من منابر السلطة، ولا من متضامني فيسبوك ولا المحللين السياسيين، بل جاء من بيبات نفسه، لا بشتيمة، ولا بردح على “الفيسبوك”، بل بفعل قانوني حضاري: رفع دعوى قضائية ضد ولد الشدو، معتبرًا أن في التشبيه إساءة له، وتشهيرًا بشخصه، وتشويهًا لمساره الفني والإنساني .. إنها لحظة رمزية فارقة، حين يتكئ “ابن الشعب” على أدوات الدولة لاسترداد كرامته، بينما يتخبط “ابن النخبة” في مستنقع الاستعلاء الطبقي.
 
لقد انقلبت الصورة .. النخبة التي لطالما ادّعت الدفاع عن حقوق الناس، تظهر الآن وكأنها تستخف بمن يمثلهم فعلاً. والشعبوي، الذي أريد له دائما أن يكون مجرد ظل أو نكتة، يُمارس حقه في القضاء، مذكرًا الجميع بأن الكرامة لا تعرف ولا تعترف بالتراتبية الطبقية.
 
الحدث لا يتعلق بشخص ولد الشدو وحده، ولا ببيبات وحده، بل بما يمثلانه من رموز وصور ذهنية .. إنه صراع قديم بين من يعتبر نفسه وصيًّا على الفهم، والناطق الرسمي باسم “الحق”، ومن اكتشف أن استرداد الحق لا يحتاج إلى صك من النخبة، بل إلى جرأة ووعي ومساحة للمطالبة بالحق. 
 
في النهاية، قد تكسب النخبة معركة اللغة، لكنها خسرت معركة الصورة، فالصورة الآن تفضح أكثر مما تزين، وتقول ما لا تقوله الخطب، وفي صورة بيبات وهو يسلك درب القضاء، تتجلى لحظة وعي جديدة: لقد تغيّر المزاج، وانقلبت المعادلات.
 
بيبات لم يصرخ، لم يسب، لم يدَّعِ البطولة، فقط قال للقضاء الذي يتساوى على يديه الجميع : “أنا هنا .. فأنصفوني”.