
في مساء الرابع والعشرين من شهر أكتوبر الجاري حطت الطائرة الرئاسية "شنقيط" في مطار العاصمة الثلاثية "بروكسل"، وهي تحمل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ووفده المرافق، للمشاركة في النسخة الثانية من منتدى "البوابة العالمية" الذي يعتبر طبعة أوروبية من المبادرة الصينية المعروفة بالحزام والطريق.
مدة إقامة الرئيس ووفده بعاصمة أوربا لم تزد على ثلاثة أيام، مُلئت نشاطا وحركية، لتعكس المكانة المتميزة التي تحتلها موريتانيا في "قلب" المعادلة الأوربية، ومستوى الشراكة المتميز الذي يربطهما على مختلف الصعد.
"اللهم بارك لأمتي في بكورها "
تمثل الرئيس دعوة خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم وبارك:" اللهم بارك لأمتي في بكورها"، فكان برنامج عمله اليومي من ساعات الصباح الأولى ولا ينتهي إلا في وقت متأخر من المساء؛ فما إن حط الموكب الرئاسي رواحله بمقر إقامته في قلب المنطقة الأوروبية من بروكسل، بين مقر البرلمان الأوروبي ومقر المفوضية الأوروبية، حتى قرّب الرئيس ركابه من جديد ليبدأ لقاءات نوعية شملت رئيس المجلس الأوروبي ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي ،ومفوضة الشراكات الدولية ومفوضة الطاقة في الاتحاد، ومديرة العمليات بالبنك الدولي، لقاءات لم تنته إلا بعد أن أرخى الليل سدوله، ليعود الرئيس منها وفي جعبة الجمهورية الإسلامية الموريتانية 37 مليون يورو،(15 مليار أوقية) هي الغلاف المالي المخصص لخطة العمل التي وقعها مع رئيسة مفوضية الاتحاد الأوربي أورسولا فون دير لاين بوسم سنة 2024م، لتضيف لبنة جديدة في صرح الشراكة الموريتانية الأوروبية، وتدفع بالعلاقات بين هذين الشريكين إلى الأمام، معززة بدعم لتطوير البنية التحتية اللازمة في موريتانيا من أجل تمكين إنتاج ونقل وتسويق الهيدروجين الأخضر.
على نفس الإيقاع استمر الأداء الرئاسي؛ فمع بزوغ فجر اليوم الثاني من أيام بروكسل عاد الرئيس سيرته الأولى في النشاط والحركية.
خطاب من "شبّ عن الطوق"
استهل ولد الغزواني يومه الثاني في بروكسل بخطاب ألقاه أمام قمة تعزيز التحولات الخضراء والرقمية على المستوى العالمي، وهو الخطاب الذي عبر عن كثير من الاعتزاز بالنفس، والتشبث بقيم الاستقلال، وكان له وقع كبير في مستمعيه ومشاهديه، بل وشكلت محاوره عناوين بارزة للتناول الإعلامي ليؤشر في صدقيته ومصداقيته على عمق العلاقة الموريتانية الأوربية، والمكانة البارزة للدبلوماسية الموريتانية على الصعيد الإقليمي والقاري والدولي، ويكفينا دليلا على ذلك استحضار هذه الفقرة من الخطاب التي تُعبّر عن الضمير الإفريقي لتقول إنه قد "شب عن الطوق" يقول رئيس الجمهورية : "إن أغلب مشاريع الهيدروجين الأخضر تقع بموجب قرار استثماري في البلدان الصناعية، على الرغم من أن مصادر الطاقة والإمكانات أكبر في البلدان النامية، ومن هنا ندعو إلى أن تساهم البوابة العالمية في ضمان احتلال إفريقيا موقعا يلبي احتياجاتها وإمكاناتها الهائلة" ــ انتهى الاستشهادــ .
لم يرد الرئيس لنشاطاته ببروكسل أن تنتهي بانتهاء فعاليات مشاركته الرسمية في منتدى البوابة العالمية، وإنما كان حريصا أن يختم زيارته بما بدأها به من حركية ونشاط، حيث كان قبل ساعة فقط من إقلاع طائرته من مطار بروكسل عائدة إلى نواكشوط على موعد مع عدد من رجال الأعمال الأوروبيين ليستعرض أمامهم وبحضور المدير العام لشركة اسنيم فرص الاستثمار في موريتانيا، وكأن بين عينيه وهو يهم ب"الإقلاع" المثل الحساني الذي يقول إن الرجل لا يسأل كم قضّى في غيبته وإنما يسأل عن ما عاد به منها.
تفاصيل أسهمت في نجاح زيارة بروكسل
السمة البارزة لزيارة الرئيس غزواني الأخيرة لبروكسل كانت إحكام التنظيم،وعلو الهمة سواء في تحديد أجندة لقاءات رئيس الجمهورية من خلال مقابلة أهم الشخصيات المتصدرة للعمل الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية ، وحتى من خلال اختيار محل الإقامة ؛ فقد لعبت تجربة السفير الموريتاني ببروكسل، وحيوية فريقه الشاب دورا مهما في اختيارأنسب موقع للإقامة ، فندق Sofitel أوروبا الكائن ميدان جوردان مقرا لإقامة الوفد الرئاسي؛ فالفندق يقع في قلب بروكسل وفي قلب المنطقة الأوروبية منها، حيث مقر البرلمان الأوروبي ومقر المفوضية الأوروبية، و حديقة Parc du Cinquantenaire الشهيرة، والعديد من المتاحف الكبرى، وفيه يقيم كبار الشخصيات المشاركة في القمة مثل الرئيس الفرنسي مانويل ما كرون، الذي أُجبرت سيارات موكبه على التوقف بعيدا عن مدخل الفندق ، بعد أن حجزته سيارات الموكب الذي سيقل الرئيس غزواني ووفده إلى المطار ، ما اضطر ماكرون للترجل حتى لا يتأخر عن موعد الإقلاع المخصص لرحلته هو الآخر.
كذلك ، من دلائل حسن الإعداد والتنظيم خلو أيام الزيارة ولياليها من ما يعكر الجو العام، فبروكسل التي تعتبر أكبر وجهة لطالبي اللجوء السياسي، وجيبا من جيوب المعارضة الراديكالية "إيرا، وافلام" كانت هادئة طيلة أيام الزيارة، فلم نر فيها لافتة معارضة رفعت، ولم نسمع عن تجمع احتجاجي نظم، فلا صوت في بروكسل يعلو صوت "الجمهورية ".
وبالجملة يمكننا القول دون مزايدة إن "غيبة " الرئيس إلى بروكسل كانت ناجحة بمقاييس الدبلوماسية، والسياسة، والحضور، ومستوى الاحتفاء، وحتى بمقياس "أهل لخيام" الموغل في الاقتصادية.
عبد المجيد إبراهيم