
بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الثالثة مع الوزير الأول محمد ولد بلال أجازت هذه الحكومة عديد التعيينات، كما أفرج القصر الرئاسي عن تعيينات موازية، حملت أكثر من رسالة، وأوحت بوجود دور لشخصيات حول الرئيس لعبت دورا مهما في تحديد قائمة المستفيدين.
الجزاء من مستوى الأداء الانتخابي ...
الرسالة الأبرز التي كشفتها التعيينات الأخيرة، وأكدت عليها هي استمرار حضور عامل الأداء الانتخابي المؤدى خلال انتخابات مايو الفائت في كل ما يصار إليه من تعيينات وإقالات، مع حضور بصمات خاصة طبعت بعض التعينات هذه المرة.
ولد أجاي وولد محمد الأغظف سوار الرئيس بالشراكة إلى حين بناء السور العظيم
شهدت التعيينات الأولى لحكومة ولد بلال الثالثة أول حضور لأصدقاء الوزير الأمين العام للرئاسة السيد مولاي ولد محمد الأغظف من خلال خلصيه أحمدو ولد جلفون وبا عثمان على اختلاف ما أضافه كل منهما من قيمة مضافة لوساطة الوزير الأمين العام للرئاسة؛ فالأول عجل بتعيينه دوره في الاستحقاقات الأخيرة خروج أخيه مرشح حزب الإنصاف من معركة بلدية تمبدغه منتصرا في الوقت الذي كانت نتيجة غير ذلك لتنتهي به مغتربا في جمهورية غينيا وتحديدا فى عاصمتها كوناكيري...
أما المدير العام الجديد لشركة معادن موريتانيا با عثمان فإلى جانب صداقته بولد محمد الأغظف، فقد يكون لشهادته أمام محكمة الفساد ضد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز دور فيما حصل عليه من امتياز.
المختار ولد أجاي هو الآخر شملت هذه التعيينات بعضا من أنصاره، لكن ما له من دور في تعيينهم لم يقم به من موقعه الجديد كوزير مكلف بالديوان؛ فلا عامل الوقت أو طبيعة العلاقة مع رئيس الجمهورية والوزير الأول تسمح له بالتدخل المباشر في ما تم من تعيينات، وهو الذي يدخل القصر للتو في تكليف بمهام لم يخبرها قبلا.
دور ولد إجاي في تعيين من عين من المحسوبين عليه أداه بشكل غير مباشر ؛حين ساعدهم من موقعه الحزبي على الاضطلاع بأدوار" بناءة" خلال الانتخابات الأخيرة .وساهم في إظهار وتلميع ذلك الأداء ووضعه موضع التقدير ، فكانت النتيجة حين اعتماد معيار الأداء الانتخابي في التعيين المفصل على مقاسه و مقاس أنصاره، تعيين حليفه أحمدو بمب ولد حمادي الذى هو من دفع به للترشح نائبا عن مقاطعة مال بولاية لبراكنه، ودفعه لدعم لوائح الحزب بعد اختيار غيره للمنصب الانتخابي، ونفس الأمر بالنسبة لصديقه سيد أحمد ولد أبوه، الذي كان ليلة قبل تعيينه مستشارا برئاسة الجمهورية منتدبا للدفاع عن سياسة حزب الإنصاف في التلفزيون الوطني، كملحق تكميلي لأدائه خلال الحملة الانتخابية.
سيكون لولد إجاي نصيب في القادم من التعيينات لا محالة، لكن همه قبل ذلك سيتركز على إقامة السور العظيم حول الرئيس من خلال قراءة خريطة القصر ونفسيات مرتاديه للقيام بعملية فرز تفضي لتشكيل قوائم المعية والضد ومن ترتيب ما يلزم على ذلك الفرز...، وأيضا من خلال الوقوف على طبيعة المهام موضوع تكليفه وأفضل السبل للوفاء بها كما لم يسبقه لذلك أي مكلف بالديوان حتى يتأتى له خلق اعتمادية لدى الرئيس عليه يضمن بها كسب وتثبيت ثقة ساكن القصر، وبتحقق تلك الاعتمادية والثقة يفرغ القطر على السور العظيم ويتفرغ الوزير المكلف بالديوان لنشر وإعادة انتشار أصدقائه وحلفائه داخل مفاصل الدولة.
ولد النني والتعيين البراغماتي
يمكن القول إن تعيين شيخنا ولد النني سفيرا لموريتانيا في مالي ليس له ولا في مصلحته، فظروفه الصحية تناسبها دول بمستويات صحية أرقى وظروف مناخية أكثر مؤاتاة، كما أن تزامن تعيينه مع تخفيض ميزانية السفارة الموريتانية في تلك الدولة يشهد لذلك.
خلفية تعيين ولد النني صلته الأسرية بالرئيس الذي أراد من خلال تعيينه بعث رسالة اهتمام للحكومة المالية، حيث يوفر وجوده قناة نقل مباشر وحميمي للرسائل بين الرئاستين، ما يؤمل منه تحقيق عودة سريعة لمالي إلى مجموعة دول الساحل الخمس بعد أن أدى غيابها عن تجمعهم إلى غياب التواصل الجغرافي بين دولهم ومن ثم إضعاف هيئتهم الجامعة. كما أن تلك العودة قد زادت الحاجة لها بعد إعلان غينيا تعليق عضويتها في منظمة استثمار نهر السنغال.
ولد النني الذي كان سفير موريتانيا في فرنسا ينتظر من نجاحه في مهامه أن يكون قاطرة لعودة العلاقات المالية الفرنسية، فخروج مالي من مجموعة دول الساحل الخمس كان في حقيقته إعلانا عن خروجها من المظلة الفرنسية، وبحثها عن مظلة دولية وجدتها في روسيا ومقاتلي مجموعة فاغنر التابعة لها، والمنتظر أن تساهم موريتانيا من خلال أداء ولد النني في عودة الأمور لطبيعتها عبر تقريب وجهات النظر بين الطرفين، ودفع فرنسا لتقديم تنازلات بخصوص موقفها من العسكريين المسيطرين في مالي الذين لابد أن تكون مواقفهم من عودة تلك العلاقة قد تأثرت بما طرأ على وضع فاغنر بعد تمرد زعيمهم على الرئاسة الروسية .
دور شيخنا ولد النني في الانتخابات الماضية أهله للعودة بعد خروجه أو إخراجه غداة محاولة منه لمغالبة حزب الإنصاف وظفها خصومه للإجهاز عليه، فلم تشفع له قرابة ولا قرب من ذلك المصير.
تجربة ولد النني لم يستفد منها السفير الموريتاني في غامبيا سيدي محمد ولد محمد محمود ولد محمد الراظي الذي ربما عول على العلاقات الخاصة مع الرئيس فيما أقدم عليه من معارضته لخيارات حزب الإنصاف في ولايته، فكان مصيره الإقالة.
سياسيون أجبرهم التعيين على ترك الجواد وحيدا
التعيينات الأخيرة أبعدت سياسيين محنكين عن ميدان السياسة، ودفعت بهم إلى مؤسسات تنموية بامتياز، يتعلق الأمر بكل من: سيدي محمد ولد محم ويحي ولد أحمد الوقف اللذين جاء تعيينهما ليؤكد استمرار الثقة في ولد الوقف ومنحها لولد محم، مع تحييدهما عن المضمار السياسي الذي هو مجالهما بالاحتراف وخصوصا في مقتبل موسم سياسي بامتياز بدأ ويستمر حتى إجراء الانتخابات الرئاسية 2024، ما يرجح أن يكون تعيينهما مؤقتا أملته متطلبات ترتيب عودة متدرجة بالنسبة لسيدي محمد ولد محم ، وخروج وزير الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية من الحكومة إثر رفض وزير الزراعة ،الذى لم يكن سوى الوزير ولد أحمد الوقف ،توقيع اتفاقية شراكة أشيع أنها لم تكن في مصلحة الدولة الموريتانية ، ما قد يكون رتب حرجا في بقائه في وزارته أو ترقيته إلى أهم منها مراعاة للوزير المبعد وسنده.
ولد سليمان تعيين في ظرف مثالي
جاءت التعيينات الأخيرة بعبد الله ولد سليمان ولد الشيخ سيديا مديرا للصندوق الوطني للتأمين الصحي وهو الذي أنهى فترته في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ليعود في وقت مثالي بالنسبة له، فالسياسة المحلية في بتلميت فاعلوها في حالة انحسار، فابن عمه الفخامة يقيم منذ أكثر من سنة خارج البلاد مرتحلا بين السنغال وغامبيا ، بعد أن خرج طواعية أوكرها من دائرة العمل السياسي ومناصرة نظام ولد الغزواني .أما ابنت عمه الناها منت هارون ولد أحمد فيكاد أن يكون وضع حد لمسارها السياسي الذى بالكاد بدأ؛ فتقادم عهدها بالوظيفة وغياب مؤشر على أمل تعيين تناله فى الأفق المنظور يسهم في انصراف المناصرين الذين اجتمعوا حولها بمناسبة الاستوزار ، فضلا عن كون منعها أو عدم التعويل على لعبها أي دور انتخابي في الاستحقاقات الأخيرة هو بمثابة رسالة من النظام بالاستغناء عن خدماتها ،في الوقت الذى كان المنتظر أن توفر مناسبة الانتخابات فرصة للعودة الفعلية لعلاقتها بالنظام .
موازاة مع ذلك لم يجد الحلف المتحدث باسم المجموعة التقليدية العامة لولد الشيخ سيديا حظه في التعيينات، رغم وجود تعيينات في المجموعة، فمنذ مجيء غزواني احتضن أسرة أهل الشيخ سيديا، فكانوا أهل حظوته، لكنه حتى في المرتين اللتين قرر فيهما إشراك غيرهم من المجموعة التقليدية العامة حرص على أن لا يأتي بمنتمين للأحلاف المنافسة لأسرة أهل الشيخ سيديا داخل المجموعة العامة؛ حدث ذلك حين جاء بولد اليدالي ثم استمر مع تعيين ولد عبد الفتاح.
يبدأ ولد الشيخ سيديا لعب دوره الجديد في ظل وزير من مجموعته لا يعول إلا على فنيته، فهو تكنوقراطي تعود العمل بعيدا عن الأضواء، ولم يطمح قط للعب أدوار سياسية، ولم ينسج علاقاته في الماضي ولا بنى تحالفات على أساسها.
على فترة من وجود فاعلين سياسيين ناشطين ومؤثرين من مجموعته القبلية يدخل ولد سليمان الساحة السياسية لبتلميت مستفيدا من وجود حلف مؤثر موال له بزعامة أحمد سالم ولد بونه مختار المرتبط بصداقة ومؤازرة غير مشروطة وموروثة مع ولد سليمان الذي لم يكن ينقصه الا عنوان محلي على خارطة السلطة وفرته إدارة "كنام" ليملأ الفراغ في بتلميت منشدا قول القائل:
خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أن تُنَقِّرِي
ولد سليمان الذي يتوكأ على إرث طاف الآفاق من السمعة الحسنة لأبيه ستجعله المعطيات السابقة فاعلا سياسيا جاء مكتملا وفي مركز قوة ما سيدفعه لتوظيف السنة الانتخابية في تأكيد تلك المكانة أملا في لعب دور أهم فيما بعد الانتخابات الرئاسية، وهو أمل يتشارك فيه مع أغلب الفاعلين السياسيين نفلا أو قضاء لفائتة.