
نوافذ (نواكشوط) ــ أعلن الشيخ سيدي محمد الفخامة ولد الشيخ سيديا صباح اليوم السبت أنه قرر بعد استخارة الله عز وجل توقيف أنشطته السياسية إلى أجل غير مسمى بعد ست سنوات من ممارستها .
الخطوة التي تأتي بعد أيام من ترقية الحليف العسكري للفخامة قائد أركان الدرك الوطني أثارت استغراب المتابعين للشأن السياسي المحلي في بتلميت وولاية الترارزة بل وفي موريتانيا ، فمن المؤكد أن الأمر مثل زلزالا سياسيا بالنسبة لأنصار الرجل وحلفائه ، في الوقت الذي لا يستغرب فيه معارضوه وخصومه استقالته.
توقيت خطوة الفخامة وطبيعة إعلانها تدفع لترجيح أن الأمر ليس عزوفا عن السياسية وإنما عزفا منفردا في السياسة ، ودليل ذلك أنها جاءت في بيان لا في شكل قرار شخصي ، ولا في قرار تم اتخاذه داخل الكتلة السياسية ، فهو إذن قرار مؤقت بدليل عدم تحديد المدة فقد تقصر وقد تطول ، ما يدفع للاعتقاد أن في الأمر بعضا من المغاضبة وعدم الرضا عن الدولة والمحيط والمجموعة .
تعكس استقالة الفخامة السياسية إذن موقفا من عدم الرضا ، ربما يكون ناتجا عن شعوره بعدم استشارته في المعيّنين من ولايتي الترازة ولبراكنه مركز وجوده ونشاطه ، حدث ذلك معه في الحكومة السابقة وكان مُحرَجا حينها من أن يعبر بهذه الطريقة المباشرة حتى لا تحسب أنها تعبير عن عدم الرضى على تعيين الوزيرة السابقة الناها بنت هارون ولد الشيخ سيديا ، اليوم يتكرر الأمر بتعيين وزير تقريبا من نفس الأسرة دون أن يتم التشاور مع الشيخ في تعيينه ،
وهو ما يعني أنه لم يشرك في التعيينات التي تمت وعلى هذا الأساس فهو غير راض ، وهو شعور بعدم الرضا عبر عنه ببيان الاعتزال أو العزف رقم 1 .
قراءة إعلان الفخامة لا يمكن أن تتم دون قراءة الأبعاد الداخلية له (بيان الخليفة العام)، فوجود الوزيرة الناها بنت هارون ولد الشيخ سيديا وإقالتها ، ثم إعلانها بعد الإقالة أنها ماضية في ممارسة السياسية ، يزيد الاستقطاب داخل مدينة الشيخ (بتلميت )، بل وأسرة أهل الشيخ سيديا خاصة ، كما أن إعلان العزف السياسي لا يمكن أن يكون اعتزالا لأن شروط الاستقالة السياسة لم تتحقق فيه ، فالمفروض أن الشيخ كان في حلف ، وحين يقرر الاعتزال يجب أن يكون ذلك بعد اجتماع عام للحلف يعلن فيه الاعتزال ، بينما كان الإعلان بعد الاستخارة فقط، ما يعني أن بقية الحلف ماضية في ممارسة السياسة، فهو إذن تراجع للشيخ وليس تراجعا لحلفه .
عمليا هنالك جملة أمور تدفع الشيخ للاستقالة ، فنصفه الثاني "الشيخ سيديا رحمة الله عليه " كان القيم على الجانب الديني لحاضرته والأمور الحياتية بها، وبالتالي من الصعب على الفخامة الجمع بين حضوره في الساحة السياسية ، وسد الفراغ الذي خلفه رحيل الشيخ سيديا رحمة الله عليه .
واضح من خطاب الشيخ كذلك أنه موجه للدولة كما هو موجه للأسرة والمجموعة ، فقد قال إنه بذل ستة أعوام في الشأن المتعلق بمجموعته وأسرته ووطنه ، فعلى مستوى الأسرة غير الضيقة ، بنى الشيخ سمعة وصيتا لها ، وشكل بروزه ظهورا لقطب ديني افتقدته الأسرة منذ أمد بعيد ، مدعوما بمحظرة تدرس العلوم الشرعية التي هي أساس مكانة الأسرة ، لكنه ربما يكون امتعض من عدم تقدير هذا الجهد وعدم الاعتراف له به.
ولم يكن وضع الشيخ في مجموعته العامة أفضل من وضعه في أسرته ، فقد بذل جهدا لصالحها عبر عنه بالتواجد الرئيسي في ولايتي لبراكنه والترارزة ، إلا أنه لم يجد مقابلا لذلك .
فوق هذا وذاك قد تفهم الاستقالة بأنها نتيجة إحساس الشيخ بالجفاء من السلطة التي لم يجد ذاته فيها ، كما لم تقدم له مقابلا لما بذله في سبيلها هي الأخرى، فهل كانت مبادرته بتعزية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز سبب الجفاء بينه والسلطة ، ما يعني أن الأخيرة لم تغفر له تلك المبادرة .
خطاب العزف أو العزوف إذن موجه للدولة ، والأسرة ، والقبيلة ، وللحلفاء السياسيين ، إلا أنه مع كل ذلك يحمل من سمات المناورة أكثر من ما يحمل من دلالات الجدية في الاعتزال ، ما يعني أنه عزف للسياسة ، لا عزوف عنها .