
الوزير الأول يكون مجبرا بحكم القانون على تقديم استقالته في مناسبات محددة :
ــ إثر انتخاب برلمان جديد وبداية ممارسته لمهامه
ــ بالإضافة إلى حالتي التصويت المناوئ أو على ملتمس رقابة من أعضاء الجمعية الوطنية .
هذه هي حالات الاستقالة المبوب عليها في الدستور .
الصورة الثانية للاستقالة تعود لعامل ذاتي وهي قرار الوزير الأول بالاستقالة .
الحالة الثالثة هي الإقالة وهي لرئيس الجمهورية الذي هو جهة التعيين أصلا .
في حالات الاستقالة الإلزامية التي يقدمها الوزير الأول بحكم القانون لا بإرادته يتصور أن يعيد رئيس الجمهورية تكليف نفس الوزير الأول بتشكيل حكومة جديدة ، أما في حالة الاستقالة الطوعية التي هي بإرادة الوزير الأول فنكون أمام أمرين :
ــ قبول الاستقالة ويترتب عليه تلقائيا انتهاء مهام الوزير الأول .
ــ أو استمرار الوزير الأول في مزاولة مهامه حالة رفض الرئيس للاستقالة وقبول الوزير الأول الرجوع عن تلك الاستقالة .
وفي كل الأحوال تبقى الحكومة المستقيلة تمارس تسيير الأعمال الجارية إلى أن يعين رئيس الجمهورية وزيرا أول وحكومة جديدين .
ما حصل بالأمس ليس االاستقالة المقررة بحكم القانون وليس استقالة بحكم الإرادة الذاتية للوزير الأول ، كما أنه من العبث بمكان أن يكون إقالة لأن الإقالة تفترض مبررات مؤكد أنها لم تنتف ما بين قرار الإقالة وأمر التكليف الجديد ، لذلك يجب أن يبحث عن تفسير ما تم خارج إطار الترتيبات القانونية والمنطق السياسي الطبيعي ، والرجوع إلى المسحة الأخلاقية التي طبعت تصرف رئيس الجمهورية ، والتي دفعت إلى عدم اعتماد طريقة التعديل الوزاري ، حين التخلص من بعض الوزراء الوازنين الذين يتحرج من إعلان تغييرهم بشكل اسمي ، ما اقتضى اللجوء إلى اختيار أسلوب استقالة الحكومة كلا ليتم إبدالهم بآخرين في غمرة استقالة الحكومة .
ما تم بالأمس إذن من تقديم الحكومة لاستقالتها لم تكن من حاجة إليه، لأن الأمر لا يتعدى التوجه لتعديل حكومي عادي ، لولا أن من بين المغادرين من أعضاء تلك الحكومة من لا يرغب في إعلان إقالته بمراسيم فردية .
أو لتشتيت الانتباه عن تطعيم التشكيلة الجديدة بشخصيات يعتبرها الرأي العام - صدقا أو تحاملا- رموزا للفساد أو لحقبة يتبرأ الجميع من الانتماء لها ، ويعد تحقيق قطيعة تامة معها بالنسبة للعديد من القوى الحية شرطا لازما لأي تغير جدي.