
افتقر قرار مجلس الهيئة الوطنية للمحامين الذي أقر من خلاله:" تعليق أجل استقبال الترشحات لمنصب النقيب وعضوية المجلس لمدة شهرين، وتأجيل عملية انتخاب النقيب وأعضاء مجلس الهيئة والإجراءات الممهدة لها طبقا لذلك، ما لم يزل المانع"، لأي أساس قانوني أو حتى منطقي، يسمح له بالصمود أمام ما قدم وسيقدم فيه من طعون.
حاول قرار التأجيل التأسيس على أسس ثلاثة:
-يتعلق الأول منها بالتحول في المستوى الوبائي ل(كوفيد 19):"بعد دخول البلد مرحلة تفشي فيروس كورونا المستجد، وتزايد عدد المصابين وعدد الوفيات بشكل مقلق، حيث أسفرت آخر إحصائية يومية لوضعية الوباء عن أكبر معدل للإصابات والوفيات منذ انتشار الجائحة..."
-الثاني ويرتبط بالأول؛ حيث تجعل الإجراءات المتخذة من الدولة لمواجهة انتشار الوباء ممارسة المحامين لحقوقهم في:" إيداع ترشحاتهم وفى المشاركة الشخصية في الحملة وفى الاقتراع، وتجعل جزء كبيرا من نشاطات ولقاءات الحملة الانتخابية ومن عملية الاقتراع في حالة استحالة مطلقة "
-أما الأساس الثالث فهو الاستناد في كل ذلك على قضاء النقض المقارن الذي:" يؤكد على اختصاص مجلس الهيئة في تقدير ظروف التأجيل"
ويمكن الوقوف على قيمة هذا التأسيس في نقطتين: -
أولا: حول التأسيس على وباء (كوفيد 19)
لمعرفة قيمة كل الذي أسس عليه قرار التأجيل الذي صدر بتاريخ 03 -06-2020 من مراعاة للأوضاع التي فرضها تفشى وباء (كوفيد 19) صونا لصحة المحامين من جهة ، ولضمان التمكين لهم من حقوقهم ، يكفي أن يعلم أن الأمر يتعلق بما طرأ من تهديد بذلك الخصوص منذ اجتماع مجلس الهيئة الذي انعقد قبل أقل من أسبوع لا غير،وتحديدا يوم 26-05-2020؛ وتمت فيه –دون أي ذكر أو اعتبار لجائحة كوفيد 19 -المصادقة على:"
1-اللائحة الانتخابية المرفقة مع هذه المداولة وإشهارها طبقا للقانون.
2-استدعاء هيئة الناخبين للإدلاء بأصواتهم يوم الخميس 25 يونيو 2020، وذلك بقاعة محكمة الاستئناف بقصر العدالة بانواكشوط الغربية ابتداء من الساعة الثامنة صباحا حتى الساعة الثامنة مساء
3-فتح باب الترشح لمنصب النقيب ولعضوية المجلس، ابتداء من يوم الأربعاء 26/05/2020 إلى غاية يوم الخميس 4يونيو 2020وذلك طيلة الدوام الرسمي"، مع العلم أنه حين اجتماع مجلس الهيئة ذلك في 26 -05-2020 كانت البلاد قد صنفت ضمن مرحلة تفشى الوباء من طرف منظمة الصحة العالمية، وأكدت الجهات المختصة في وزارة الصحة على بداية مرحلة الإصابات المجتمعية. فما الذي جد؟!
إذا كان التحول في موقف المجلس جاء بناء على إحصائية ليوم واحد عندما:" أسفرت آخر إحصائية يومية عن أكبر معدل للإصابات والوفيات منذ انتشار الجائحة "، فهو لم يوفق؛ لأن الواقع أن تذبذب الإحصائيات التي تقدم بشكل يومي يجعل الأنسب اعتماد معدلات تستوعب ذلك التذبذب،فإحصائية يومية بعدد كبير من الإصابات والوفيات، لا تمنع من تضمن إحصائية اليوم الموالي لأعداد أقل، والعكس صحيح، فضلا عن كون ارتفاع تلك الأعداد في حد ذاته قد يعنى الوصول للذروة التي يعقبها حتما انحسار الوباء.
أما كون الإجراءات المتخذة من الدولة لمواجهة وباء (كوفيد 19):"تمنع المحامين المتواجدين في الداخل وأولئك العالقين في الخارج من حقهم في إيداع ترشحاتهم والمشاركة الشخصية في الحملة والاقتراع"، فإضافة لغرابة عدم استحضارها في اجتماع 26 مايو، فإن المنطقي أن يكون تفكير مجلس الهيئة قد توجه لتذليل تلك الصعوبات، متسلحا في ذلك بما أعطى لنفسه من حق في تجاوز القانون المنظم للهيئة ونظامها الداخلي من خلال مجرد "مداولة"؛ فيقوم من أجل ضمان إجراء الانتخابات في موعدها مثلا و على خلاف ما جاء في (المادة 9 ) من القانون المنظم لمهنة المحاماة من "حق للمحامي الناخب أن ينيب عنه في التصويت غيره من المحامين بوكالة محررة أمام موثق معتمد في موريتانيا. لا يجوز للمحامي أن يحمل أكثر من وكالة واحدة"، بقبول وكالة محررة أمام موظفي البعثات الدبلوماسية في الخارج،والسلطات القضائية والإدارية حال التواجد في الداخل وحمل أكثر من وكالة!
أو استبدال ما نصت عليه (المادة 44)من النظام الداخلي من اعتماد "الاقتراع السري والتصويت ببطاقة موحدة" بالتصويت برفع اليد أو بالمراسلة...!
في ذلك -صدقا - تجاوزعلى القانون، لكنه تجاوز لا يخدم مصلحة طرف بعينه دون آخر. بخلاف تجاوز أجل الانتخابات الذي يحمل فوق خرق القانون، تمديدا للمجلس القائم ومساسا بمصالح الغير؛ لأن عدم إجراء الانتخابات داخل الأجل المنصوص عليه حسب الرأي الاستشاري للمجلس الدستوري رقم 002/2011 م.د:" قد يمس بحقوق مواطنين آخرين يمكن انتخابهم في حالة إجراء الانتخابات في موعدها".
عاز قرار المجلس الأساس حتى لجأ أن يقيس، مع وجود الفارق البين، اقتراعا يتم خلال يوم واحد، ويشارك فيه عدد محدد سلفا من أشخاص بمستوى وعي عال بحكم وجود اشتراط مستوى تعليمي لولوج مهنة المحاماة أصلا، على الصلوات الخمس التي تقام على مدار اليوم جاعلا ل:" إخلاء المساجد تجنبا لنقل عدوى فيروس كورونا المستجد" أساسا لتأجيل الانتخابات. مع أن الواقع أن المساجد تقام بها ولله الحمد الصلوات الخمس، ولم تهجر ورغم الفرق بين أعداد وتنوع مشارب رواد المساجد وعمارها وقائمة المحامين المحصورة.
فوق عدم وجاهة الحيثيات المتقدمة التي اعتمدت في التأسيس لقرار المجلس بتأجيل الانتخابات الذى هو عمليا قرار بتمديد المجلس لنفسه ، فإن ما بني عليها مخالف للقانون؛ إذ تجاهل المجلس أن مدة مأمورية النقيب والمجلس وقد حددها القانون المنظم للهيئة ؛ القانونرقم 95-24 صادر19 يوليو 1995 ، المعدل ، في الفقرة الأخيرة من ( المادة 9 ) منه بالنص على :"ينتخب النقيب وأعضاء مجلس الهيئة بواسطة الاقتراع السري لمدة ثلاث سنوات" ، وأكدها وضبطها النظام الداخلي للهيئة في (المادة 45) :"ينتخب النقيب وأعضاء مجلس الهيئة لفترة ثلاث سنوات، ويتقلدون وظائفهم بخمسة عشر يوما على الأكثر بعد انتخابهم" لا يمكن لمداولة لمجلس الهيئة تغييرها ؛ لأن تمديدها أبعد من ذلك يحتاج وفقا لمبدإ (المشروعية) وقاعدة (توازى المساطر) لنص أقوى أو يساوى القانون والنظام الداخلي الذين أقراها.
ثانيا: قضاء النقض المقارن: -
مفارقات عديدة بخصوص رجوع قرار مجلس الهيئة لقضاء الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري في دعوى لتأجيل انتخاب نقابة المحامين المصريين؛ فباستثناء ما يتعلق بتأكيد أهلية مجلس النقابة في ممارسة صلاحياته في حدود سلطاته المحددة، باستثناء ذلك،وليس محل خلاف، فإن مذهب الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري لا يسند قرار مجلس هيئة المحامين الموريتانيين بتأجيل الانتخابات:
-المفارقة الأولى:أن الاستشهاد جاء بقضاء لمحكمة القضاء الإداري رفضت فيه دعوى كانت لأجل تأجيل قرار لمجلس نقابة المحامين المصريين إجراءالانتخابات في الوقت المحدد لها؛فلأن المحكمة لم تجد بقرار إقامة الانتخابات في موعدها شططا في استعمال السلطة؛ باعتبار إقامتها في وقتها هو الاستعمال الطبيعي لتلك السلطة المنتظر من المجلس بوصفه القيم على إنفاذ قانون الهيئة ونظامها الداخلي، تم رفض الدعوى.
-المفارقة الثانية: أن دعوى طلب التأجيل محل الاستشهاد رمي من ورائها حال قبولها دفع المحكمة لتقرير الحراسة على الهيئة واستبعاد مجلسها من ثم، بفعل النزاع الذي سيثور حول ولاية المجلس بمجرد قبول دعوى التأجيل، في حين أن سريان قرار التأجيل الذي قرره مجلس الهيئة الموريتانية يعنى وبلا نزاع أن ولاية المجلس وبنص القانون سوف تنقضي قبل تجديد مجلس ونقيب الهيئة، ما سيدفع لنزاع حقيقي داخل الجمعية العامة للمحامين لا يكون تلافيه إلا بتدخل القضاء؛ وما استقالة عضو المجلس احتجاجا على خرق المجلس للقانون إلا إشارة البداية لذلك النزاع.
فوق كل تلك العيوب التي شابت تأسيس قرار مجلس الهيأة الوطنية للمحامين الموريتانيين، فإن منطقوه غاية في الغرابة فقد أقر:"تعليق أجل استقبال الترشحات لمنصب النقيب وعضوية المجلس لمدة شهرين"، أقر ذلك التعليق وقد بقي أقل من يوم على تاريخ (04-06) الذي كان المجلس نفسه قد أقره قبل ذلك بأسبوع كآخر أجل لاستقبال الترشحات.
القرار نفسه فصل بين استقبال الترشحات وإجراء الانتخابات، ما يعنى أنه كان بالإمكان استكمال أجل استقبال الترشحات اليوم المتبقي من المدة التي خصصت لها.
أما بخصوص الاقتراع فقد تقرر:" تأجيل عملية انتخاب النقيب وأعضاء مجلس الهيئة والإجراءات الأخرى الممهدة لها طبقا لذلك مالم يزل المانع"، بمعنى أن المجلس بالمحصلة مدد لنفسه فترة حدد حدها الأدنى بأزيد من شهرين، أما سقفها فاحتفظ لنفسه بتحديده انطلاقا من سلطة تقديرية، سيحتفظ بها لنفسه رغم انقضاء مأموريته مع أنه لا أساس لها في القوانين المنظمة للهيئة، ولا حاجة إليها في ظل وجود جمعية عمومية هي صاحبة السيادة، وإتاحة خيار تقرير الحراسة القضائية كملاذ أخير من حصول أي فراغ معطل.